يتسارع السباق نحو الهيمنة على الذكاء الاصطناعي، إذ تسعى واشنطن وشركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى إلى دفع الدول إلى اتخاذ خيار ثنائي: هل سيُبنى ذكاؤها الاصطناعي على التقنية الأمريكية، أم على الصينية؟ هذه المقاربة الصفرية لخّصها رئيس مايكروسوفت، براد سميث، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي، حين قال: "العامل الأول الذي سيحدد من يفوز، أمريكا أم الصين، هو الطرف الذي ستُعتمد تقنيته على نطاق أوسع عالميًا".
تشير تحليلات مركز تشاتام هاوس إلى أن الولايات المتحدة بدأت مؤخرًا سلسلة من الخطوات لتعزيز جاذبية عرضها في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصةً تجاه أوروبا. وكانت العلاقات قد بلغت أدنى مستوياتها في فبراير، عندما اتهم نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، الاتحاد الأوروبي في مؤتمر ميونيخ بتجاوز تنظيمي وعداء غير ديمقراطي لحرية التعبير. وفي الشهر ذاته، وقّع الرئيس ترامب أمرًا تنفيذيًا اعتبر فيه الغرامات الأوروبية على الشركات الأمريكية "ابتزازًا يستهدف نهب الشركات الأمريكية". ونتيجة لذلك، أخّرت شركات أمريكية عدة طرح منتجاتها في السوق الأوروبية، مشيرة إلى حالة عدم اليقين القانوني.
لكن خلال الأسبوع الأخير، خففت واشنطن نبرتها. فقد وصف فانس أوروبا وأمريكا بأنهما "فريق واحد"، وترافقت هذه اللغة التصالحية مع سلسلة مبادرات جديدة لترويج البنية التحتية الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي لباقي دول العالم.
في 30 أبريل، أعلنت مايكروسوفت التزامها ببناء مراكز بيانات سيادية في أوروبا، واحترام قوانينها، ودعم قدرتها على الصمود والابتكار. كذلك أطلقت OpenAI مبادرة "OpenAI للدول" لدعم من يرغب ببناء ذكاء اصطناعي "ديمقراطي"، في مقابل ما تصفه بالنسخ "الاستبدادية" الصينية. وأكدت أن هذه المبادرة تُنفّذ "بالتنسيق مع الحكومة الأمريكية".
كما يفكّر البيت الأبيض في تخفيف القيود على تصدير الرقائق المتقدمة الضرورية لتطوير الذكاء الاصطناعي، وهي قيود وضعتها إدارة بايدن سابقًا بتصنيف الدول إلى ثلاث فئات تحدد درجة حصولها على هذه التكنولوجيا. إعادة النظر في هذه التشريعات ستفيد شركات أمريكية مثل NVIDIA، كما ستفتح المجال أمام دول كالهند وسنغافورة وماليزيا لتوسيع فرصها في الوصول إلى الرقائق الأمريكية.
خيار زائف؟
تشير هذه التطورات إلى أن المنافسة في الذكاء الاصطناعي تجاوزت الابتكار لتصل إلى البنية التحتية. وبحسب تحليل الخبير ويليام ماثيوز في تشاتام هآوس، تستعد الصين لتسريع تنفيذ تقنياتها على نطاق واسع محليًا وعبر دول الجنوب العالمي. وترسل الولايات المتحدة إشارة واضحة: "اختاروا تقنيتنا... أو تقنيتهم".
لكن الواقع أكثر تعقيدًا. فالكثير من الدول طالما اتبعت سياسة التوازن بين القوى الكبرى، ولا تزال ترى إمكانية للاستمرار في هذا النهج. الانتشار الفعلي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ما زال محدودًا، ولا يرى الكثير من صناع القرار سببًا عاجلًا لحسم الموقف لصالح طرف دون آخر.
ويختلف السياق اليوم جذريًا عن ما كان عليه قبل عقدين، عندما فرضت شركات التكنولوجيا الأمريكية حضورها كمزوّد وحيد للبنية التحتية الرقمية عالميًا. أما الآن، فباتت أغلب الدول في صراع سياسي أو قانوني أو تنظيمي مع تلك الشركات. سواء تعلق الأمر بمنصات التواصل الاجتماعي، أو البنية التحتية للاتصالات، أو حتى الأنظمة المالية العالمية، لم تعد سيادة الدول على التكنولوجيا مسألة ثانوية، بل أصبحت في صلب التفكير السياسي والتنظيمي.
نحو سيادة رقمية جديدة
ليس غريبًا أن تكرّر الولايات المتحدة كلمة "السيادة" في خطابها الموجّه لأوروبا. لكن السؤال الحقيقي هو: هل تكفي هذه الضمانات الأمريكية؟ تطالب الدول بحقوق سيادية على بنيتها التحتية الرقمية، وهي محقة في ذلك، لكنها تدرك أيضًا أن أدوات السيادة التقليدية، كالرقابة والتنظيم، لم تعد كافية وحدها.
يتطلب الأمر فهمًا دقيقًا للحدود الواقعية لهذه السيادة اليوم. هذا الفهم يجب أن يكون أساس التخطيط بعيد المدى، وفقًا لتحليل مركز تشاتام هاوس.
https://www.chathamhouse.org/2025/05/us-china-ai-race-forcing-countries-reconsider-who-owns-their-digital-infrastructure